سكن بالكوفة فتى جميل الوجه شديد التعبد والاجتهاد فنزل فى جوار قوم ، فنظر إلى اروع فتاة منهم جميلة فهواها وهام بها عقله .
وشعرت الفتاة بما شعر به فذهب يخطبها من أبيها .
أخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الفتاة : قد بلغنى شدة محبتك لي وقد اشتد بلائى بك ، فإن شئت زرتك وإن شئت سهَّلت لك أن تأتينى إلى منزلى !
فقال لرسولها : ولا واحدة من هاتين الخلتين ، ” إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ” ، أخاف نارا لا يخبو سعيرها ولا يخمد لهيبها .
فلما أبلغها الرسول قوله قالت : وأراه مع هذا يخاف الله ؟! والله ما أحد أحق بهذا من أحد ( أى بالعبودية لله والخوف منه سبحانه ) وإن العباد فيه لمشتركون .
ثم انخلعت من الدنيا وألقت علائقها ( أى ما يجعلها تتعلق بالدنيا ) خلف ظهرها ، وجعلت تتعبد وهى مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وشوقا إليه حتى ماتت على تلكم الحال .
فكان الفتى يأتى قبرها فيبكى عنده ويدعو لها ، فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها فى منامه فى أحسن منظر .
فقال : كيف أنتِ ؟ وما لقيتِ بعدى ؟
قالت : نعم المحبة – يا سؤلى – محبتكم حب يقود إلى خير وإحسان .
فقال : على ذلك إلام صرتِ ؟
فقالت : إلى نعيم وعيش لا زوال له فى جنة الخلد ملك ليس بالفانى .
فقال لها : اذكرينى هناك فإنى لست أنساكِ .
فقالت : ولا أنا والله أنساك ،
ولقد سألت مولاى ومولاك أن يجمع بيننا ، فأعنى على نفسك بالاجتهاد – أى فى العبادة – فقال : متى أراكِ ؟
فقالت : ستأتينا عن قريب فترانا ..
فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليالٍ ، حتى مات رحمه الله تعالى.
ذكره ابن القيم في روضة المحبّين.